كارثة طبرجل" تفضح المسؤولين وتفتح صفحة جديدة في "أزمات الآبار"
الأحد 27 جمادى الثاني 1435 الموافق 27 نيسان (أبريل) 2014
مدونة ابوعبدالله
«آبار تتحول إلى قبور.. وعود مسؤولين تتبخر وتذهب أدراج الرياح».. وفي النهاية يدفع أبناء المملكة الثمن، ويصبح سعيد الحظ وتكتب له حياة جديدة من تسارع قوات الدفاع المدني لتنتشله من بئر عمقها يتجاوز أكثر من 40 مترًا.
منذ ساعات، أنقذت فرق الدفاع المدني بمحافظة طبرجل طفلا (5 أعوام)، سقط في بئر ارتوازية مكيسة بعمق ٥٠ مترًا داخل مزرعة، حيث تم إمداده بالأكسجين، وإخراجه على قيد الحياة.. هل تخيلت أن تدخل قبرك حياً لثلاث ساعات قبل أن تكتب لك الحياة من جديد؟
«مأساة لمى»
مشهد طفل طبرجل، أعاد للأذهان مأساة طفلة تبوك «لمى الروقي»، في يناير الماضي، والتي سقطت في بئر ارتوازية يصل عمقها إلى 114 مترًا بمنطقة تُعرف بـ«وادي الأسمر»، على بُعد 30 كيلومترًا عن محافظة حقل التابعة لمنطقة تبوك.
حينها كانت الأزمة الحقيقية التي واجهت الدفاع المدني صعوبة الوصول إلى جثمانها، بسبب ضيق فتحة البئر، إضافة إلى طبقة صخرية كانت تقف عائقًا في عمليات البحث؛ ما دفعهم إلى حفر بئر موازية للوصول إلى جثتها قبل أن تسلم عملية استخراج جثمان الطفلة لشركتي «أرامكو ومعادن».
وكشف سقوط الطفلة لمى الروقي الكثير من الآبار المكشوفة؛ الأمر الذي سارع معه المواطنون والمقيمون إلى إبلاغ الجهات المسؤولية عن تلك الآبار المهملة، ليتم ردمها، وما زالت الجهات تعمل على ذلك، لكن لا حياة لمن تنادي.
«التعليم تتحرك»
وخشية من التركيز عليها، طالبت وزارة التربية والتعليم إداراتها التعليمية في مناطق ومحافظات المملكة بضرورة التأكد من عدم وجود آبار في مواقع المدارس «بنين وبنات»، مطالبة برفع تقارير لإدارة التعليم التابعة لها المدرسة، حال وجود تلك الآبار للتعامل معها بشكل عاجل، حفاظاً على سلامة الطلاب والطالبات.
«التعليم» عللت ذلك بأنه يأتي ضمن حرصها على التأكد من سلامة المباني المدرسية قبل نهاية العام الدراسي الجاري لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة الطلاب والطالبات بتوفير بيئة آمنة وسليمة.
كانت تقارير صحيفة، قد أكدت توسط بئر لمدرسة ابتدائية في محافظة الحناكية منذ تأسيسها قبل 33 عاما، وتقرير آخر كشف عن تخوف عدد من سكان المحافظة بعد العثور على بئر تتوسط ساحة ابتدائية في المحافظة.
«أين المسئولون؟»
مع كل كارثة تشهدها إحدى مناطق المملكة، تخرج وعود من مسئولي الوزارات المختلفة، ثم تمر الأيام ويتناسى الجميع وعودهم، لتتفرق دماء ضحايا الآبار بين «المجالس البلدية، ووزارة الزراعة، والدفاع المدني، وشركة المياه»، دون اتخاذ حتى الإجراءات العقابية الحاسمة للمخالفين.
وما بين اتهامات بالتقصير لا تتوقف ومقترحات بحلول متواصلة، بات من الضروري الإشارة إلى ضرورة توحيد الجهة المسؤولة عن عملية ردم الآبار، وتحديد الجهة كذلك المسئولة عن تعويض المصابين أو أسر الضحايا، والإجابة عن سؤال عن سبب حفر غالبية الآبار بشكل خطير في الأودية والمتنزهات التي يرتادها أهالي المحافظات للتنزه.
وهنا يبقى السؤال الأصعب «لماذا لا يعاقب صاحب البئر ويحقق معه وتوجّه له تهمة الإهمال التي قد تصل إلى تهمة القتل الخطأ؟»، فوفقًا للمادة 17 من الباب الثالث للائحة التنفيذية للنظام، يحق للجهة المختصة إقفال الآبار أو ردمها، عندما يتبين أنها غير منفذة حسب المواصفات الفنية، أو أن وجودها يسبب ضررًا على المصلحة العامة، وعلى حساب من تحدده الجهة المختصة.
كما تنص المادة 26 من الباب الخامس من اللائحة على أن يتولى الوزير المختص أو من يفوضه بذلك إصدار العقوبات اللازمة على مرتكبي المخالفات بقرار ذي صيغة موحدة يتم إعداده من قبل الجهة المختصة يتضمن اسم المخالف ونوع المخالفة ومكان وقوعها واسم الشخص الذي حرر المخالفة وتاريخ المخالفة.
«إحصائيات»
والآن باتت الأزمة الحقيقية هي حفر الآبار بدون مواصفات فنية، خصوصًا مع بداية الطفرة الزراعية، حيث تم تكثيف حفر الآبار الارتوازية بشكل غير مسبوق ووصلت عام 1985 إلى أكثر من 100 ألف بئر مصرح بها..
وتشير تقارير إلى وجود بعض التجاوزات، حيث تم حفر آبار عشوائية بشكل مكثف أيضًا في جميع المناطق، فكثير من الخبراء يؤكدون أن عدد الآبار العشوائية يفوق نظيرتها المصرح بها بأكثر من الضعف.
غير أن مصادر بوزارة المياه والكهرباء، أشارت إلى أن مكاتب الوزارة ومراقبي التعديات، رصدوا 130 ألف بئر مهجورة وغير مرخصة في جميع المناطق والمحافظات، موضحة أن تلك الآبار تتنوع بين ارتوازية ويدوية.
وتمثل الآبار أحد المصادر الأساسية لتوفير احتياجات المملكة من المياه حيث تساهم المياه الجوفية بما يزيد على 45% من إجمالي المياه المنتجة في المملكة.
وبلغ إجمالي عدد الآبار الأهلية بنهاية 2010 نحو 133 ألفًا و 780 بئرًا، فيما بلغ عدد الآبار الحكومية 6872 بئرًا. وتستخدم تلك الآبار في الزراعة بصفة أساسية، وبنسبة محدودة كمصدر لمياه الشرب، حيث يعتمد على مياه الآبار 18% من السكان بصورة رئيسة.
وتنتج المملكة ما يعادل مليار متر مكعب من المياه عبر الآبار، وسجلت كميات المياه الموزعة المستخرجة من الآبار زيادة سنوية تقدر بنحو 4.9%.